جمعه عتيقه في رثاء سلوى بوقعيقيص: موتٌ لا يُشبه الموت

يونيو 25, 2014

موت لا يشبه الموت .. وحياة طرزت أزاهير الحياة .


لا أطيق مناسبات التأبين … لأنها نقطة في نهاية السطر.. ومن نلتقى اليوم في رحابها لنناجيها، ونحادثها ونتضمخ بعطر ذكرياتنا معها، تحمل لقبا لا يليق بسواها : إنها سلوى ( أميرة الحرية والحوار ) . فكيف لنا أن تؤبن ( الحرية ) ، وأن نرثى ( الحوار) .
سلوى ، كانت امرأة استثنائية بكل المقاييس، كانت طيفا شفيفا تمدّ كفيها النديتين ، تنثر مشاتل المحبة، وتمسح القبح والتشوه، الذي حاولت قطعان التوحش والظلام أن تشوه به وجه أم أحبتها وأخلصت لها . كانت سلوى ( ناطورا) لحديقة تحبل بحبات البذار، وجدائل الأقحوان .. تحاول أن تنقيها وتشذبها، وتستأصل الطفيليات، وأشواك العوسج.. تصد عنها رياح السموم وغبار القبلي .. وتحلم أن تسيجها ذات يوم بسياج (العدل).. حقوقية درست القانون كرسالة وأمانة ، ثم انطلقت في ردهات المحاكم تحمل الرسالة وتؤدي الأمانة .. امتهنت المحاماة، ودافعت عن المظلومين، وضحايا العدل المستباح. كانت فارسا من فرسان النجدة، ( لم تبغ جاها أو تلم ثراء ) ودافعت على الجميع، حتى أولئك الذين جعلوا منها مرمى لرصاصهم الغادر، نعم فعلت ذلك لأنها تنتصر لضمير العدل ، الذي يسكن جوارحها ويخالط أمشاج عظامها . وحين كانت ثورة فبراير، واحمرت الحدق، وأمطر الفجر الرمادي رصاصا ودماء . كان موقعها محجوزا في الصف الأمامي، فهي لا تعرف الجلوس في الصفوف الخلفية ، لم تيأس ، ولم تقنط حتى وهي ترصد من موقع المشارك الشريك ما اعترى مسار هذه الثورة من اعتلال واختلال، فهي ابنة مدرسة الأمل والمستقبل، تراهن على أن المجد للأطفال والزيتون، وأن أجمل الأزهار لم تتفتح بعد. لم ار سلوى في كل لقاءاتي معها قانطة، يأسة تئن على الجرح، أو تنظم مقاطع النواح… كانت ابتسامتها المشرقة عنوانا وإعلانا لكل المؤمنين بالمستقبل والممتطين لصهوات الحلم المستحيل، كنت أرقبها وأنا اقول ما لهذه السيدة الجميلة، لا يهدأ لها بال ولا يقر لها قرار، أما أن لها أن تستريح ولو استراحة المحاربين . وكان يأتيني الجواب دائما.. عملا دءوبا وجهدا خلاقا، ومبادرات فاعلة، وحيوية دافقة .. وحين حكم القضاء وهاجمتها قطعان التوحش واطلقوا رصاصهم الغادر .. افلتت سلوى من أيديهم وطارت حمامة مجنحة إلى ملكوت الله … تلطخت أيديهم بالدم وولغوا فيه .. وسلوى تنظر إليهم باسمة مستهزئة من عليائها ألاّ تبا لكم أيها الأوغاد .. لكم الجسد والدم لترووا عطشكم المحموم ، ولي وطن؛ الحرية لحمته والحوار سداه.
فأعلموا، يا اصدقائي الطيبيين بأن سلوى، وغيرها من شهداء الحرية والحوار، هم البارق والبيرق الذي يضيء لنا الدرب وينير لنا عتمات الجهل ، والتخلف .. ويفتح كوة في الجدار القاتم، الذي يحاول الظلاميون أن يسيجوا به الوطن، ليبقى وطننا ليبيا ( وردة تنمو على الأهداب في الليل الحزين ) ولن تذوي، ولن تموت بعون الله بين أيدي التافهين .
رحم الله الشهيدة سلوى سعد بوقعيقيص، أميرة الحرية والحوار.. وكل شهداء الكلمة والحوار والحرية كافة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

القاهرة في 19 رمضان الموافق 16/7/2014م